كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (63)

 

 

ناصر أبوعون

قال الشَّيخُ القاضي عِيَسى بن صالح بن عامر الطَّائِيُّ الأجَلّ: [(وَقَبْلَ وُصُولِ السُّلطانِ كانَ أَهْلُ ظُفارٍ لا يَنامُونَ مِنَ السَّهَرِ خَوْفًا مِنَ اللُّصُوصِ، وَقَدْ صَعِدْتُ رَبْوَةً هُناكَ بِصُحْبَةِ أَبْناءِ عَمِّ السُّلطانِ لِنَرى مَساكِنَ الأَعْرابِ وَبُيُوتَهُم، فَإِذا هِيَ خِيامٌ صِغارٌ قَدْ بَنَوْها مِنَ الحَشِيشِ قائِمَةً عَلى أَعْوادٍ مِنَ الشَّجَرِ، أَشْبَهُ شَيءٍ بِعُشِّ القُنْبُرَةِ؛ قَدْ فَرَشُوها جُلُودَ البَقَرِ، وَلَها بابٌ صَغيرٌ يَتَعَذَّرُ دُخُولُ الخَيْمَةِ مِنْهُ إِلّا حَبْوًا، وَهِيَ لا تَزيدُ في العَرْضِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، وَفي الاِرْتِفاعِ كَذلِكَ)].

(وَقَبْلَ وُصُولِ السُّلطانِ)، أي: قبل بَسْطِ السلطان تيمور نفوذه وسلطته الكاملة على إقليم ظَفَار، وقبل مجيئه لزيارتها. (لا يَنامُونَ مِنَ السَّهَرِ خَوْفًا مِنَ اللُّصُوصِ) في العبارة تبيانٌ لحالة الفوضى وانتفاء أثر القانون والسُلطة التنفيذيّة. ولذا كان الناس يتناوبون ليلًا على حراسة ممتلكاتهم. (السَّهَر) يبقون يقظين ليلًا. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول عامر بن الظَّرِب العَدْوانيّ: [وَ(أَسْهَرُ) لَيْلِي، عَلَى أَنَّنِي/ أُرَاعِي الدُّجَى، مَا أَذُوْقُ الْمَنَامَا(01)] (خَوْفًا) مفعول لأجله، والجمع (أخواف)، والمعنى: خشيةً وفزعًا. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول كليب بن ربيعة التغلبيّ: [يَا لَكِ مِنْ قُبَّرَةٍ بِمَعْمَرِ/ لَا تَرْهَبِي (خَوْفًا) وَتَسْتَكْبِرِي(02)] (اللصوص)، (ألصاص) جموع، والمفرد(لِصّ) وهو السارق والقرصان. حيث كانوا يُغيرون ليلًا على بيوت أهل ظَفار، ويسوقون الأبقار، وينهبون الأموال. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول امريء القيس بن حُجْر الكنديّ: [أَمِنْ ذِكْرِ سَلَمَى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ/ فَتَقْصُرُ عَنْهَا خُطْوَةً وَتَبُوصُ؟ - وَكَمْ دُوْنَهَا مِنْ مَهْمَهٍ وَمَفَازَةٍ/ وَكَمْ أَرْضُ جَدْبٍ دُوْنَهَا وَ(لُصُوْصُ)(03)] (وَقَدْ صَعِدْتُ رَبْوَةً) (صَعِدْتُ) ارتقيتُ وتستعمل حقيقةً مع الأماكن المرتفعة، وتستعمل مَجازًا في معانٍ أخرى. ونقرأ شاهدها اللغويّ، في قول منسوب إلى قصير بن سعد اللّخميّ: [لَوْ (صَعِدْتِ) الْمَدِيْنَةَ، فَنَظَرْتِ إِلَى مَا جِئْتُ بِهِ(04)].(رَبْوَة) ما ارتفع من الأرض. وجمعها: (رُبَا - رُبِيّ)، ونقرأ شاهدها في قول الحارث بن عُباد البكريّ. [يَا وَيْلَ أُمِّكُمُ، مِنْ جَمْعِ سَادَتِنَا/ كَتَائبًا، كَـ(الرُّبَا)، والْقَطْرُ يَنْسَكِبُ(05)] (مَساكِنَ الأَعْرابِ وَبُيُوتَهُم) (الأَعْرابِ): القبائل التي تسكن جبل سمحان (شرقًا)، وجبل القمر (غربًا)، وما بينهما (جبل القرا)، وهم: قبائل القرا أو الحكلي، وقبائل الكثيري، وقبائل المهري، وقبائل الشحري، وقبائل المشيخيّ، والبَرْعَميّ، والجَحْفليّ، والعامري والهِلاليّ. (مَساكِن) جمعٌ مفرده (مَسْكَن/ مسكِن) بفتح الكاف وكسرها. ومعناه: محل السكن في منزلٍ ونحوه. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول طَرَفة بن العبد البكريّ، يدعو بهطول المطر الغزير على دار خولة القديمة: [فَلَا زَالَ غَيْثٌ مِنْ رَبِيْعٍ وَصَيْفٍ/ عَلَى دَارِهَا حَيْثُ اِسْتَقَرَّتْ لَهُ زَجَلْ- مَرَتْهُ الْجَنُوبُ ثُمَّ هَبَّتْ لَهُ الصَّبَا/ إِذَا مَسَّ مِنْهَا (مَسْكَنًا) عُدمُلًا نَزَل(06)] (بُيُوتَهُم- بِيُوت. بضم الباء وكسرها/أَبْيات - أَبَايِيْت) جموعٌ، والمفرد: (بيت). قال أبو البقاء في كتاب الكليات: "البيت اسمٌ لمسقف واحد له دهليز"، ويساوي الغرفة؛ لقول المناوي في التعاريف:"البيت موضع المبيت من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد". ونقرأ شاهده اللغوي في قول هُناءة بن مالك بن فهم الأزديّ، يرثي أباه: [لَوْ كَانَ يُفْدَى بِـ(بَيْتِ) الْعِزِّ ذُو كَرَمٍ/ فِدَاكَ مَنْ حَلَّ سَهْلَ الْأَرْضِ وَالْجَلَدَا(07)]

(فَإِذا هِيَ خِيامٌ صِغارٌ) (إِذا) حرف يفيد المفاجأة يدلّ على الحال، ونقرأ شاهد اللغويّ في قول هُناءة بن مالك بن فهم الأزديّ: [(إِذَا) جَذِيْمَةُ لَا تَبْعُد وَقَدْ غَلَبَتْ/ بِهِ الْمَنَايَا وَقَدْ أَوْدَى وَقَدْ بَعُدَا(08)] (خِيامٌ) هذا الجمع لا أصل له في العربية، وإنما هو خطأ شائع، والصواب (خِيَم) بكسر الخاء وفتح الياء، و(خَيْم) بفتح الخاء وسكون الياء. والمفرد منه: خَيْمَة. ومعناه: البيت المُتَّخَذ من أوتاد تُنْصَب وتُسْقَف بالشجر ونحوه؛ للإقامة فيها. ونقرأ شاهده اللغويّ، في قول عبيد بن عبد العزى السَّلامي الأزديّ، يصف ما علا من الأطلال: [ لَعَمْرِي لَقَدْ هَاجَتْ لَكَ الشَّوْقَ عَرْصَةٌ/ بِمِرَّانَ تَعْفُوهَا الرِّيَاُح الزَّعَازِعُ- بِهَا رَسْمُ أَطْلَالٍ، و(خَيْمٌ) خَوَاشِعُ/ عَلَى آلِهِنَّ الْهَاتِفَاتُ السَّوَاجِعُ(09)] (صِغارٌ - أَصْغَار) جموعٌ، والمفرد منها(صغير) صفة مشبهة، والمعنى حسب سياق الكلام (ضئيل الحجم)، ونقرأ شاهده اللغويّ في قول الْمُنَخَّل بن مسعود اليَشْكُري: [وَلَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ الْمُدَا/مَـةِ بِـ(الصَّغِيْرِ) وَبِالْكَبِيْرِ(10)] (قَدْ بَنَوْها مِنَ الحَشِيشِ) إشارة إلى استخدام سكان الجبل في أقليم ظفار عناصر الطبيعة في بناء بيوتهم. (بَنَوْها) بنى البيت ونحوه: شيَّد أركانه وأقامه. ونقرأ شاهده اللغوي في قول دُوَيْد بن زيد القُضَاعيّ: [الْيَوْمَ يُبْنَى لِـدُوَيْدٍ بَيْتُهُ/ لَوْ كَانَ لِلدَّهْرِ بِلَىً أَبْلَيْتُهُ(11)] (الحَشِيشِ) اسم جنس مفرد، والجمع (حشائش)، ومعناه: الكلأ اليابس. ونقرأ شاهده اللغوي في قول عبد الله بن رواحة الخزرجيّ الأنصاريّ: [جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَجَإٍ وَفَرْعٍ/ تُغَرَّ لَهَا مِنَ (الْحَشِيْشِ) لَهَا الْعُكُومُ(12)] (قائِمَةً) اسم مفرد، وجمعه: (قوائم)، وقائمة البيت: عِمادُه الذي يقوم عليه. ونقرأ شاهدها في الحديث النبويّ الشريف: [النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَومَ القِيامَةِ، فإذا أنا بمُوسَى آخِذٌ بقائِمَةٍ مِن قَوائِمِ العَرْشِ(13)] (عَلى أَعْوادٍ مِنَ الشَّجَرِ)(أَعْواد -عِيدان) جمعُ، والمفرد: (عُود)، ونقرأ شاهده اللغويّ في قول عَبَّاد بن شدَّاد اليربوعيّ التميميّ، يذكر طول عمره، وكيف أصبح رهين البيت: [يَا بُؤْسَ للشَّيْخِ عَبَّادِ بْنِ شَدَّادِ/ أَضْحَى رَهِيْنَةَ بَيْتٍ بَيْنَ (أَعْوَادِ)(14)] (الشَّجَرِ) اسم جنس، والجمع منه (أشجار- شَجْراء – شِجَار – أشْجرة)، وهو كل نبات له ساق يبقى مع الشتاء. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول زرقاء اليمامة: [إِنِّي أَرَى (شَجَرًا) مِنْ خَلْفِهَا بَشَرُ/ وَكَيْفَ تَجْتَمِعُ (الْأَشْجَارُ) وَالْبَشَرُ(15)] (أَشْبَهُ شَيءٍ بِعُشِّ القُنْبُرَةِ) (عُشّ) اسم مفرد، وجمعه:(أعْشاش، عِشَاش، عُشُوش ، عِشَشَة، أَعِشَّة، عُشَش). والعُشّ: ما يتخذه الطائر للتفريخ في رؤوس الأشجار. ونقرأ شاهده اللغويّ في وصية وصية أمامةَ بنتِ الحارث زوجِ عوفِ بن مُحَلِّم الشيبانيّ لابنتها أم إياس عند الزفاف [أي بنية، إنك فارقت الجو الذي منه خَرَجْتِ، وخَلَّفْتِ (العُشَّ) الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وَكْر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه(16)] (القُنْبُرَةِ) اسم جنس مفرد، والجمع(قَنَابِر)، وهو طائر بريّ صغير الحجم، لونه بين السُّمْرة والحُمْرة، له عنق قصير، وعلى رأسه ريش قائم، وكثير التغريد. ونقرأ شاهده في قول زياد ابن أبيه، يرد على تهديد معاوية له: [وأمَّا زَعْمُكَ أَنَّكَ تَخَطَّفَنِي، بِأَضْعِف رِيشٍ، وَتَتَنَاوَلَنِي بِأَهْوْنِ سِعْيٍ، فَهَلْ رَأَيْتَ بَازِيًا، يُفْزِعُهُ صَغِيْرُ (الْقَنَابِرِ)؟ أَمْ هَلْ سَمِعْتَ بِذِئْبٍ أَكَلَهُ خَرُوْفٌ(17)" (قَدْ فَرَشُوها جُلُودَ البَقَرِ)، إشارة إلى بساطة الحياة. (فَرَشُوها) بسطوا على أرضها جلود البقر المدبوغة. ونقرأ شاهده اللغوي في قول تأبط شرًّا الفهمي، يصف حيلته في الفرار من خصومه:(فَرَشْتُ لَهَا صَدْرِي، فَزَلَّ عَنِ الصَّفَا/ بِهِ جُؤْجُؤٌ عَبْلٌ، وَمْتْنٌ مُخَصَّرُ(18)] (جُلُودَ البَقَرِ) (جُلُودَ، أجلاد، أجْلُد) جموع. والمفرد (جِلْد) البشرة الظاهرة من الجسم في الإنسان والحيوان. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول ذي الكف الأشلّ البكريّ: [إِذَا الْخَيْلُ خَامَتْ، وَاقْشَعَرَّتْ (جُلُودُهَا)/ بِسَيرٍ، فَيَغْشَاهَا الْأَسِنَّةُ بِالْقَدِدْ(19)] وَ(لَها بابٌ صَغيرٌ) (يَتَعَذَّرُ) يتعسّر ويمتنع. ونقرأ شاهده في قول الأوزاعيّ: [فَإِنْ عَذَرَ عَلَيْهِ أَمْرٌ، فِي مَوْطِنٍ أَدْرَكَ غَيْرَهُ فِي سِوَاه([[1]])] (دُخُولُ الخَيْمَةِ مِنْهُ إِلّا حَبْوًا) (حَبْوًا) زحفًا. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول مالك بن حريم الهمداني، يصف نساء العدو يزحفن إلى البيوت زحفا: [لَمَّا رَأَيْتُ نِسَاءَهُم/ يَدْخُلْنَ تَحْتَ الْبَيْتِ (حَبْوًا) (21)] وَهِيَ لا تَزيدُ في العَرْضِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، وَفي الاِرْتِفاعِ كَذلِكَ.

..........

المصادر والمراجع:

(01) الشعراء الجاهليون الأوائل، تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، 2008م، ص: 191

(02) شعراء تغلب في الجاهلية أخبارهم وأشعارهم، صنعة: علي أبوزيد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، 2000م، 2/136

(03) ديوان امريء القيس بن حُجْر الكنديّ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1990م، ص: 177

(04) أمثال العرب، المفضَّل الضبيّ(ت، 178هـ)، تقديم وتعليق: دار الرائد العربيّ، بيروت، ط2، 1983م، ص: 146

(05) ديوان الحارث بن عباد البكري، جمع وتحقيق: أنس عبد الهادي أبوهلال، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أبوظبي، ط1، 2008م، ص: 150

(06) ديوان طرفة بن العبد، شرح: الأعلم الشنتمري، تحقيق: درية الخطيب، ولطفي صقال، إدارة الثقافة والفنون، البحرين، المؤسسة العربية، بيروت، ط2، 2000م، ص: 98

(07) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م، ص: 90

(08) المرجع نفسه، ص: 90

(09) منتهى الطلب من أشعار العرب، جمعه: ابن ميمون البغدادي(ت، 597هـ)، تحقيق وشرح: محمد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت، ط1، 1999م، 8/275

(10) البيان والتبيين، الجاحظ(ت، 255هـ)، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، مطبعة المدني، القاهرة، ط7، 1998م، 3/346

(11) الشعراء الجاهليون الأوائل، تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، 2008م، ص: 170

(12) ديوان عبد الله بن رواحة، تحقيق: وليد قصاب، دار العلوم، الرياض، مطبعة المتوسط، بيروت، ط1، 1981م، ص: 149

(13) الراوي: أبو سعيد الخدري، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص أو رقم : 7427

(14) شعر بني تميم في العصر الجاهليّ، جمع وتحقيق: عبد الحميد المعيني، منشورات نادي القصيم الأدبي، بريدة، 1982م، ص: 243

(15) أسجاع الكهان الجاهليين وأشعارهم، جمع وتحقيق ودراسة: ياسين عبدالله جمول، رسالة ماجستير، جامعة دمشق، 2011- 2012

(16) مجمع الأمثال للميداني، 2/263

(17) شرح نهج البلاغة، 1967م، 16/183

(18) ديوان تأبّط شرا، جمع وتحقيق: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1984م، ص: 90

(19) ديوان بني بكر في الجاهلية، جمع وشرح وتوثيق وتحقيق: عبد العزيز النبويّ، دار الزهراء، القاهرة، ط1، 1989م، ص: 539

(20) كتاب الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازيّ(ت، 327هـ)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1953م، 1/198

(21) شعر همدان وأخبارها، جمع وتحقيق: حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرياض، ط1، 19838م، ص: 301

 

([[1]]) كتاب الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازيّ(ت، 327هـ)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1953م، 1/198

الأكثر قراءة

z